إن السوق العالمي لانتقالات لاعبي كرة القدم يشهد تطورا مستمرا وهذا ما يستشف من الثورة التي أحدثتها أندية الدوري السعودي في سوق الانتقالات سنة 2023 من خلال استقطابها لأبرز نجوم الدوريات الأوروبية مثل كريم بنزيما المتوج بالكرة الذهبية سنة 2022 ورياض محرز المتوج بدوري أبطال أوروبا سنة 2023 مع نادي مانشستر سيتي الإنجليزي وعدة نجوم آخرين أبرزهم نيمار وساديو ماني وكريستيانو رونالدو...
وبما أن الحصول على لاعبين مميزين أصبح عملية باهضه التكلفة خاصة بالنسبة إلى النوادي الصغيرة والمتوسطة أمام سلطة المال التي تتمتع بها النوادي الكبرى في أوروبا أو في دوري روشن السعودي تحول اهتمام نوادي كرة القدم للحصول على المواهب الأصغر سنا والأقل ثمنا.
لكن هذا الإهتمام تقابله قوانين صارمة صادرة عن الإتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" قصد وضع ضمانات لانتقال اللاعبين القصّر تم تضمينهابالمادة 19 من لائحة الفيفا بشأن اوضاع اللاعبين وانتقالاتهم.
وقد عرفت اللائحة المنظمة لأوضاع وانتقال اللاعبين الصادرة عن الاتحاد الدولي لكرة القدم في القسم الخاص بالتعريفات اللاعب القاصر بكونه : " اللاعب الذي لم يبلغ بعد من العمر 18 سنة".
تم إدراج الفصل 19 في لائحة أوضاع اللاعبين وانتقالاتهم لأول مرة سنة 2001، وذلك بعد الإجتماع الشهير الذي عقد في 15 من شهر مارس من نفس السنة بين الإتحاد الدولي لكرة القدم والإتحاد الأوروبي لكرة القدم ولجنة الإتحاد الأوروبي، وقد انتهى هذا الإجتماع إلى إقرار عدة توصيات تعهد الإتحاد الدولي لكرة القدم بتطبيقها.
تم تنقيح لائحة أوضاع اللاعبين وانتقالاتهم سنة 2009 وذلك بإنشاء اللجنة الفرعية المكلفة بالإشراف على تطبيق الفصل 19 وتقوم هذه اللجنة بدراسة كافة طلبات الانتقال الدولية الخاصة بالقصّر والتسجيل لأول مرة، كما أصبح تقديم المطلب يتم من خلال نظم نقل مطابقة لنظام الفيفا "تي أم أس" وفي حالة رفض اللجنة الفرعية للطلب بإمكان النادي المعني بالرفض أن يستأنف القرار أمام محكمة التحكيم الرياضية.
لكن هذا المنع الذي أدرجه الفصل 19 ليس مطلقا بل وردت عليه عده استثناءات، مما يدعو الى التساؤل: ما هو النظام القانوني لإنتقالات القصّر ؟
من أجل توضيح الأحكام الخاصة بإنتقالات القصّر يتوجب التطرق إلى شروط انتقال القصّر (المبحث الأول) ثم التعرض إلى الآثار المترتبة عن انتقالات القصّر (المبحث الثاني)
المبحث الأول : شروط إنتقال القصر
يوم 8 سبتمبر 2016 صدر قرار عن لجنة الاستئناف التابعة للإتحاد الدولي لكرة القدم يقضي بمنع فريق ريال مدريد من الإنتدابات خلال فترتي انتقالات بعد أن ثبت خرق الفريق الملكي للقواعد المتعلقة بإنتقال اللاعبين القصّر رغم صرامة تراتيب الإتحاد الدولي لكرة القدم بهدف توفير ضمانات حقيقية لحماية القصّر.
فمن أجل أن يكون تكوين اللاعبين في بيئة يستطيع الطفل أن يجد فيها توازنه النفسي في وسطه العائلي والحضاري يحرص الإتحاد الدولي لكرة القدم على تكريس مبدأ حماية القصّر (الفقرة الأولى) دون التغافل عن بعض الإستثناءات المضبوطة (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: تكريس مبدأ حماية القصّر
ينصّ الفصل 19 من لائحة تنظيم وضعية اللاعبين وانتقالاتهم الوارد تحت عنوان حماية القصّر على أن: " الإنتقالات الدولية للاعبين يسمح بها فقط إذا كان سن اللاعب أكثر من 18 سنة".
فالمبدأ هو منع انتقال اللاعبين دون سن 18 وهذه الصرامة في حماية اللاعبين القصر من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم تهدف أساسا إلى تجنيب الأطفال أن يكونوا ضحية جشع سماسرة فقدوا إنسانيتهم ولم يعد يحركهم إلا المال مهما كان مصدره حتى ولو كان على حساب طفل بريء يحلم باللعب لأحد الأندية الكبرى حتى يستطيع أن يعيل عائلته كما وضح ذلك الصحفي البلجيكي جوناس قريتري في مقال بعنوان " استغلال اللاعبين الأفارقة: كم من حياة دمرت من أجل لاعب مثل يحي توري؟" [1].
وبعد أكثر من 20 سنة على المنع المبدئي لانتقال اللاعبين القصّر أثبتت التجربة أن هذا المنع لم يكن بالنجاعة المطلوبة في حمايه هاته الفئة، إذ يساهم هذا المنع في حرمان صغار السن من فرص التكوين في كرة القدم على أسس علمية وفنية متطورة في ظروف لا يمكن ان تتوفر لهم في بلدانهم الأصلية. علاوة على أن هذا المنع دفع الأندية إلى الإعتماد على طرق مستحدثة تمكنها من ضمان انتقال لاعبين قصّر أجانب دون التعرّض للعقوبات الواردة بقوانين "الفيفا".
وتجدر الإشارة إلى أن الفصل 19 لم يميز بين اللاعبين القصر الهواة واللاعبين القصر المحترفين حيث جاءت عبارات الفصل مطلقة. وهو ما يدعو مبدئيا إلى اعتماد تأويل واسع يشمل اللاعبين القصر دون تمييز سواء كانوا هواة أو محترفين.
وقد عرض هذا الإشكال القانوني على أنظار القضاء الرياضي على مستوى "الفيفا" ثم على مستوى محكم التحكيم الرياضية بمناسبة نزاع بين نادي "ميدجيلاند" الدنماركي ونقابة اللاعبين المحترفين، وأكدت المحكمة في قرارها عدد 1485 الصادر بتاريخ 6 مارس 2009 بأن هدف الفصل 19 هو حماية اللاعبين القصّر بصفة عامة وأن اي تأويل آخر يكون مخالفا لنص وروح القانون الذي يحمي جميع اللاعبين القصّر [2].
الفقرة الثانية : الإستثناءات الواردة على انتقالات القصّر
تتعلق هذه الإستثناءات بصنف تشريعي ورد بالفصل 19 الخاص بحماية القصر وبعض الاستثناءات الأخرى التي اضافها فقه القضاء الرياضي.
√ الإستثناءات الواردة بالفصل 19:
أولا: انتقال أولياء اللاعب إلى بلد النادي الجديد لأسباب غير متعلقة بكرة القدم:
تتعلق هذه الحالة بالسماح للإتحادات بتسجيل لاعبين قصر انتقلوا مع أوليائهم إذا لم تكن هذه النقلة في علاقة بممارسه كرة القدم بالنسبة إلى اللاعب القاصر.
تجدر الإشارة إلى أن عبارة "الأولياء" لا يمكن التوسع في تأويلها فانتقال اللاعب القاصر للعيش لدى قريب العائلة الذي يقطن بالبلد الذي يوجد به النادي الجديد لا يكفي لتفعيل هذا الاستثناء.
ويهدف هذا الإستثناء أساسا لحماية اللاعب القاصر الذي يتبع عائلته التي تنتقل للعيش في دولة اخرى لأسباب شخصية ليست لها علاقة بكرة القدم على أنه لا يتم تطبيقه في صورة ثبوت العلاقة بين الإنتقال خارج الوطن وممارسه القاصر لكرة القدم خاصة بالنسبة للأولياء الذين يتعقبون ابنهم لكي يقع انتدابه من قبل ناد أجنبي.
ثانيا: الإنتقال يحدث داخل الإتحاد الاوروبي أو المنطقة الإقتصادية الأوروبية وسن اللاعب بين 16 18 سنة:
ورد هذا الاستثناء بالفقره الثانية ب من الفصل 19 والذي يمكن النوادي الأوروبية من تسجيل اللاعبين القصّر الذين يتراوح سنهم بين 16 و18 سنة بشرط احترام النادي الجديد لعدة التزامات:
- لابد أن يتلقى اللاعب التدريب المناسب لكرة القدم وفقا لأعلى المعايير الوطنية.
- لابد أن يتم التكفل للاعب بأكاديمية أو مدرسة أو تعليم مهني أو تدريب بالإضافة إلى ممارسة كرة القدم مما يسمح للاعب بممارسة مهنة غير كرة القدم إذا توقف عن الإحتراف.
- لا بد أن يتخذ كل الترتيبات الأساسية للتأكد من أن اللاعب يتم الإعتناء به بأحسن طريقة ممكنة.
- في حالة تسجيل لاعب لابد أن يقدم النادي للإتحاد المختص ما يثبت إلتزامه بالتراتيب المذكوره أعلاه.
ثالثا: اللاعب الذي يقطن على الحدود:
في هذه الحالة يجب أن تتوفر 3 شروط متلازمة:
- اللاعب يعيش على مسافة لا تتجاوز 50 كلم عن حدود وطنه.
- النادي الذي يرغب اللاعب في أن يسجل لديه في الإتحاد المجاور يقع على مسافة لا تتجاوز 50 كلم عن الحدود.
- المسافة القصوى بين مقر اللاعب والنادي لا تتجاوز 100 كلم.
وزيادة على هذه الشروط فإن على اللاعب أن يواصل السكن لدى والديه، كما يجب أن يعطي الاتحادين المعنيين موافقتهما الصريحة على انتقاله.
✓ الإستثناءات المضافة من فقه القضاء الرياضي:
رغم صرامة تطبيق مبدأ المنع والتأويل الضيق لهذا المنع فان محكمة التحكيم الرياضية لاحظت أن القائمة الإستثنائية الواردة بالفصل 19 غير حصرية بل وردت على سبيل الذكر وبالتالي يجوز التوسع في تطبيقها [3].
حيث أن الإنتقال الدولي للقصّر يمكن أن يسمح به في كل الحالات التي يتمكن فيها اللاعب القاصر من إثبات أن انتقاله إلى بلد آخر كان بدافع الدراسة وليس بسبب نشاطه كلاعب كرة قدم.
كما يمكن أن يسمح بالإنتقال الدولي للاعب القاصر في بعض الحالات التي يكون فيها الفريق الأصلي والنادي الجديد للاعب قد سبق وأبرما إتفاقا هدفه تطوير اللاعبين الشبان مع ضرورة توفر شروط موضوعية أهمها أن يشمل الإتفاق التكوين الأكاديمي وأن يكون الإنتقال لمدة محدودة.
علاوة على ذلك يضيف فقه القضاء الرياضي عدة استثناءات أخرى مثل القصّر الذين يعيشون منذ أكثر من 5 سنوات متتالية في الدولة التي يرغبون التسجيل فيها. وكذلك الطلبة الذين يسعون للتسجيل لمدة تصل إلى سنة وتمت الموافقة على تسجيلهم لأول مرة...
دون التغافل عن حالات استثنائية خاصة مثل الحالات التي تنطوي على لاعبين قصّر يسعون للتسجيل في بلد يقيمون فيه حاليا بصفتهم لاجئين.
المبحث الثاني: الآثار المترتبة عن حماية القصّر
إن وجود قاعده قانونية حمائية يعني أن خرقها يؤدي حتما إلى قيام مسؤولية. وينتج عن عدم إحترام الموجبات القانونية للفصل 19 صدور عقوبات رياضية ضد النوادي المخالفة (الفقرة الأولى) علاوة على الآثار المالية المنجرة عن ذلك (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : العقوبات الرياضية
ينص الفصل 12 من المجلة التأديبية للإتحاد الدولي لكرة القدم على عدة عقوبات رياضية تسلط على الفرق بصفتها ذوات معنوية منها المنع من الإنتداب، حذف النقاط من الترتيب العام للنادي، الحرمان من الجماهير في الملعب والإقصاء من المسابقات...
ويلاحظ صرامة العقوبات المسلطة على النوادي وفقا للفصل 12 المذكور والتي تهم خرق مقتضيات الفصل 19 من لائحة أوضاع اللاعبين وانتقالاتهم.
ومن أهم الحالات التي عرفت ضجة إعلامية القضية تلك التي تعلقت بنادي برشلونة الذي تمت معاقبته من اللجنة التأديبية بالفيفا سنة 2013 لتسجيله 10 لاعبين قصر في صفوف شبانه في خرق كامل للفصل 19 من لائحة أوضاع اللاعبين وانتقالاتهم [4].
وقد أصدرت لجنة التأديب بالفيفا قرارها بمنع النادي من انتداب لاعبين لمدة موسمين عملا بمقتضيات الفقرة أ من الفصل 12 من المجلة التاديبية وهكذا حرم الفريق من التوقيع مع أي لاعب جديد لمدة موسمين متتاليين ثم أيدت محكمة التحكيم الرياضي هذا الحظر بعد إستئناف نادي برشلونه لقرار "الفيفا".
وقد أوضحت محكمة التحكيم الرياضية أن تسليط اللجنة التأديبية للفيفا هذه العقوبة الصارمة على نادي برشلونة غايتها توجيه رسالة شديدة اللهجة ليس للنادي فحسب وإنما لكل ناد آخر يتجرأ على خرق مقتضيات الفصل 19 المذكور آنفا.
وتجدر الملاحظة أن العقوبات المتعلقة بخرق الفصل 19 قد تطال أيضا الإتحادات الوطنية على غرار العقوبات التي سلطتها "الفيفا" على الإتحاد الاسباني لكرة القدم عند انتقال 31 لاعب أجنبي قاصر إلى الدوري الإسباني تحت لواء الاتحاد الاسباني ليتم تسجيل هؤلاء لفائدة عده أندية إسبانية أهمها نادي برشلونة وقد اعتبرت لجنة التأديب ذلك خرقا للفصل 19 وفرضت على الإتحاد الإسباني خطيه تقدر ب 500,000 فرنك سويسري إضافة إلى تحميله المصاريف وتوبيخه [5].
الفقرة الثانية: التعويض المالي
هو جزاء تكفله لائحة أوضاع اللاعبين وإنتقالاتهم للنوادي التي تساهم في تكوين اللاعبين ويتمثل في غرامات مالية تعرف باسم غرامة التكوين كما تتمتع هذه النوادي كذلك بأموال بعنوان آلية التضامن.
✓ غرامة التكوين:
ينص الفصل 20 من لائحة أوضاع اللاعبين وانتقالاتهم على أن غرامات التكوين تدفع للنادي أو للنوادي التي ساهمت في تكوين اللاعب عندما يوقع اللاعب العقد الأول له كمحترف وعند كل انتقال له حتى نهاية الموسم الذي يبلغ فيه 23 من عمره. ينشأ الإلتزام بدفع غرامة التكوين إذا حدث الإنتقال أثناء أو عند نهاية عقد اللاعب. والنصوص المعنية بغرامة التكوين مذكورة في الملحق الرابع من هذه اللائحة.
تعتبر "الفيفا" من خلال هذا الفصل أن اللاعب يتلقى تكوينه في كرة القدم منذ سن 12 إلى حدود سن 23 ولكل ناد يساهم في هذا التكوين الحق في غرامة مالية تساوي التكوين الرياضي الذي تلقاه اللاعب إلى سن 21 إلا في الحالات التي يكمل فيها اللاعب تكوينه بإبرام عقد لاعب كرة قدم محترف قبل سن 21.
وتهدف غرامة التكوين أساسا إلى خلق توازن بين الفرق التي تكون لاعبين شبان وبعض الفرق الكبرى التي تسعى إلى التمتع بفنيات هؤلاء اللاعبين متجاهلة النوادي التي ساهمت في تكوينهم.
ويقع تحديد قيمة غرامة التكوين كما ورد بالفصلين 4 و5 من المرفق 4 للائحة أوضاع اللاعبين وانتقالاتهم وكذلك بالمنشور الصادر عن الفيفا تحت عدد 126 بتاريخ 31 أكتوبر 2002 وجميع المناشير المحينه له سنويا.
✓ آلية التضامن:
أقرت لائحة أوضاع اللاعبين وانتقالاتهم في فصلها 21 آلية التضامن كآلية لتنمية التكوين الرياضي للشبان بتخصيص مبلغ مالي يدفع كل ما تم انتقال اللاعب المحترف قبل نهاية عقده على أن يتم توزيع هذه المنحة على جميع النوادي التي ساهمت في تكوين اللاعب.
وينص الفصل 21 من اللائحة على أنه: " إذا انتقل محترف قبل نهاية عقده فإن أي نادي ساهم في تعليمه أو تدريبه يتلقى نسبة من التعويض المدفوع إلى النادي السابق. والنصوص المعنية بآلية التضامن منصوص عليها في الملحق 5 من تلك اللوائح.
ويكون النادي الجديد للاعب هو المسؤول عن احتساب هذا المبلغ وقسمته بين المستحقين من النوادي التي ساهمت في تكوين اللاعب.
✍️ إدريس خليفي : مختص في القانون الرياضي
--------------------------------------------------
[1] L'exploitation des jeunes footballeurs africains: combien de vies brisées pour un Yaya Touré? .
[2] Arbitrage TAS 2008/A/1485 FC Midjylland A/S v. Fédération Internationale de Football Association (FIFA) 6 Mars 2009.
[3] Arbitrage TAS 2012/A/2862 FC Girondins de Bordeaux c. Fédération Internationale de Football Association (FIFA), sentence du 11 janvier 2013.
[4] TAS 2014/A/3793 Fùtbol Club Barcelona v. Fédération Internationale de Football Association (FIFA), sentence du 24 avril 2015.
[5] TAS 2014/A/3813 Real Federación Española de Fútbol (RFEF) v. Fédération Internationale de Football Association (FIFA), sentence du 27 novembre 2015.
تعليقات
إرسال تعليق